قيمة الخير في الإسلام
تــــقــــــديـــــم:
طالبتين
علم نسأل الله لهن القبول
إشراف
د/
مها الجريس
العام
الجامعي:
1435هـ _ 1436ه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء
والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
يصف "الإسلام" كل ما هو طيب
ونافع للإنسان، بأنه خير، فهو إحدى القيم الإسلامية الهامة، ذكره القرآن الكريم في
مائة وتسعين آية، فأمر به الله كقيمة مطلقة، في قوله تعالى: } وافعلوا الخير لعلكم تفلحون{ [1].
والإنسان توجد عنده نوازع للخير ونوازع
للشرّ، والنفس منها المطمئنّة ومنها الأمّارة بالسّوء، وثمّة أمور تزكّي النفس
وتصلح القلوب، وأمور أخرى تقعد بالنفس عن المعالي، وتفسد على القلب صلاحه، وتضعف
من سيره إلى الله، والشيطان حاضر في معترك الصراع بين شهوات النفس وهوى القلب،
وقيم الإسلام ومكارم الأخلاق، وعلى قدر المجاهدة والصبر واليقين تتغلّب إحدى
القوّتين على الأخرى، (قوّة الخير أو قوّة الشّرّ).
وفي هذه الورقة سنتناول قيمة الخير من
خلال المحاور التالية:
تعريف الخير:
لغة:
هو
اسم تفضيل على غير قياس وهو ضد الشر، والخير الحسن لذاته ولما يحققه من لذة أو نفع
أو سعادة، وجمعه خيور، وخيار، وأخيار،.[2] ومنه
قوله تعالى: } وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا { [3]أي تجدوه خيرا لكم من متاع الدنيا.
فالمقصود من مصطلح الخير هو اختيار الأفضل ، ويأتي عادةً في وصف
الأمور ذات النهاية السعيدة والمحببة أو المفضلة لدى الناس وبالنتيجة يبقى اختيار الخير
أو الشر منوط بالفرد نفسه، فمعرفة الخير والشر مطلب جميع المخلوقات لكي تستمر في البقاء
أي إنهُ موجود في الفطرة وذلك لدى جميع المخلوقات دون استثناء ، فالمخلوقات التي تستمر
بالبقاء تكون قد عرفت ما هو الخير بالنسبة لها فأخذت به ، وما هو الشر بالنسبة لها
فابتعدت عنه.
اصطلاحاً:
-الخير: ما يرغب فيه كل الناس من
أصحاب الفطر السليمة، كالعقل والفضل والعدل والأشياء النافعة كالمال[4].
- الخير في سلوك الإنسان: "إِرَادَةُ الْحَسَنِ
مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَبِيحِ، وَفِعْلُ الْحَسَنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَبِيحِ"".[5]
?مسألة: أيهما الأصل في الإنسان الخير أم الشر:
انقسمت
الآراء إلى ثلاث مذاهب:
•
الأول: الإنسان
خيِّر بطبعه، والشر عارضٌ له: وهو مذهب المتفائلون: جان جاك روسو، سقراط، وذهب إليه
ابن تيمية وابن القيم.
يقول ابن
القيم: إن الشر حادث على النفس البشرية، وليس أصل خلقتها، ويقسمة إلى نوعين: عدم
ووجود، فالأول كعدم العلم والإيمان والصبر وإرادات الخير وعدم العمل بها .... والثاني:
وهو الوجودي كالعقائد الباطلة و الإرادة الفاسدة، فهو من لوازم ذلك العدم، و أنه
متى عدم ذلك العلم النافع، و العمل الصالح من النفس، لزم أن يخلقه الشر و الجهل
وعوجهما، و لابد لأن النفس لابد لها من أحد الضدين فإذا لم تنشغل بالمفيد النافع
الصالح اشتغلت بالضد الضار الفاسد[6]
•
الثاني: الإنسان
شرير بطبعه، والخير طارئ عليه: وهو مذهب المتشائمون: كالبوذية، ومعظم رجال
الكنيسة.
حيث يرون
الإنسان منذ خطيئة آدم قد صار شريراً، لا حيلة له في إصلاح نفسه فلا تصير إلى
الخير إلا بالتأديب و التهذيب أو عوامل البيئة و الوراثة. [7]
•
الثالث: الإنسان
خلق مستعداً للخير والشر جميعاً: وهو مذهب جمهور الفلاسفة، الغزالي، ابن
خلدون، ابن مسكويه.
•
وهذا
الرأي هو الراجح لأنه موافق لما قررة الإسلام.
فالإسلام يقرر أن الإنسان خلق إلى
الخير أميل منه إلى الشر، و النصوص الإسلامية تؤكد هذا المذهب الوسط:
v قال تعالى: } وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{
قال ابن
كثير في تفسير هذه الآية أي "الطريقين : طريق الخير وطريق الشر"[8]
vقال
تعالى: } وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{
قال ابن عباس: أي بين لها الخير والشر[9]
فالفطرة السلمية تقبل الخير وتميل
إلى عبادة الله وشكره، أما الشر ففيه تكلّف ومعارضة للفطرة، فالإنسان بعقله لا
يستحسن الأمور القبيحة، وينفر منها بطبعه، بل يبغضها وإن اقترف منها شيئا، كما بين
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
((البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، و كرهت أن يطلع عليه الناس))
أنواع الخير:
(الخير)
يطلق على نوعين:
أولاً:
خير مطلق، وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال، كطلب الجنة.
أصل الخير:
إن أصل كل خيرٍ وشر مبدؤه الفكر والتفكير؛ فمن الناس من تفكيره في ما يضره في
الدنيا والآخرة، ومنهم من يصرف تفكيره في ما ينفعه في الدنيا والآخرة. والفكر يثمر
إرادة فعزيمة فعمل. ولما كان عمر الإنسان قصيراً، والموت يأتي بغتة، فلا جرم كان
على العبد أن ينتهز دقائق عمره وساعاته فيما ينفعه في آخرته، وأن يحافظ على أفكاره
من أن تذهب سدى لا ينتفع منها، فضلاً عن أن تكون فيما من شأنه ضرره وهلاكه. [12]
طرق الخير:
الخير له طرق كثيرة وهذا من
فضل الله ـ عز وجل ـ على عباده من أجل أن تتنوع لهم الفضائل والأجور، والثواب الكثير
، وأصول هذه الطرق ثلاثة :
إما جهد بدني ،وإما بذل مالي ، وإما مركب من هذا
وهذا ،.أما الجهد البدني فهو أعمال البدن ؛ مثل الصلاة ، والصيام ، والجهاد ، وما أشبه
ذلك ، وأما البذل المالي فمثل الزكوات ، والصدقات ، والنفقات ، وما أشبه ذلك ، وأما
المركب فمثل الجهاد في سبيل الله بالسلاح ؛ فإنه يكون بالمال ويكون بالنفس ،فأنواع
هذه الأصول كثيرة جداً ، من أجل أن تتنوع للعباد الطاعات ، حتى لا يملوا ، ولو كان
الخير طريقاً واحد لمل الناس من ذلك وسئموا ، ولما حصل الابتلاء .[13]
التّمييز بين الخير والشر:
في كثير من الأحيان، نستطيع التّمييز بسهولة بين ما هو خير
وما هو شرّ، على الأقل نظريًّا. ولكن قد يلتبس علينا الأمر في أحيان أخرى، فنرى
الشّيء أو نفعل الشّيء ونظنّ أن فيه خيرًا، في حين أنّه يستبطن شرًّا، والعكس كذلك،
يقول الله عز وجل: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى
أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ)[14].
إذن في بعض الأحيان، قد يلتبس علينا
الأمر، فلا نميّز إن كنّا نفعل خيرًا أو نفعل شرًّا، ولا نميّز إن كان ما حصل لنا
فيه شرّ أو فيه خير. وهذا الأمر داخل في حكمة الله وإرادته؛ لأنّه جزء من الابتلاء
وجزء من امتحان الحياة.يقول الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
وَنَبْلُوكُمْ بِالشّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).[15]
من معاني الخير في القرآن الكريم:
لفظ (الخير) كغيره من ألفاظ القرآن، لا يُفهم
المراد منه تماماً إلا من خلال معرفة السياق الذي ورد فيه، فمن معاني الخير:
اولاً : المال، قال تعالى: {إن ترك خيراً}[16] ، فـ
(الخير) هنا - كما قال القرطبي - المال من غير خلاف. وعلى هذا المعنى جاء أكثر
استعمال القرآن للفظ (الخير).
ثانياً: شريعة الإسلام، قال تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا
المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} (البقرة:105)، فالمراد بـ (الخير) هنا:
شرعة الإسلام، قال ابن كثير: "ينبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من
الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم".
ثالثاً: القوة، كقوله سبحانه في حق مشركي
العرب: {أهم خير أم قوم تبع}[17] ،قال
البغوي : يعني: أقوى، وأشد، وأكثر من قوم تُبَّع، وقال ابن عاشور: "المراد
بالخيرية: التفضيل في القوة والمَنَعَة". وعلى هذا المعنى قوله تعالى:
{أكفاركم خير من أولئكم}[18].
رابعاً: العبادة
والطاعة، كقوله سبحانه: {وأوحينا إليهم
فعل الخيرات}[19]
، قال القرطبي: "أي: أن يفعلوا الطاعات".
خامساً:
حُسْن الحالة، كقوله تعالى حاكياً قصة شعيب
عليه السلام مع قومه: {إني أراكم بخير}[20] قال
الطبري: "يدخل فيه كل معاني خيرات الدنيا"، وقال
ابن عاشور: "الخير: حسن الحالة".
سادساً:
التفضيل، من ذلك قوله تعالى: {أولئك هم
خير البرية}[21]
، أي: المؤمنون بالله حق الإيمان أفضل الخلق أجمعين.
سابعاً:
القرآن، وذلك في قوله تعالى: {وقيل
للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا}[22] ،
قال القرطبي: "المراد: القرآن".
ثامناً: يقابل الشر، كما في قوله تعالى: [وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ
إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] [23] .
تاسعاً: الصلاح. ومنه قوله تعالى: (إن عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً)[24]
عاشراً: حسن الأدب. ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ
خَيْراً لَّهُمْ)[25]
احدى عشر:
الطعام، كقوله تعالى على لسان موسى
عليه السلام: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [26]
وعلى ضوء هذه
المعاني للفظ (الخير)، فإن رسالة محمد r خير
للإنسانية، والإيمان بها خير للإنسان، والعبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأن فعل
الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله، وإلى الإحسان الذي
هو عبارة عن الشفقة على خلق الله، ويدخل فيه: البر والمعروف،والصدقة على الفقراء، وحسن القول للناس ، ودقة الالتزام بالقيم الإنسانية،
وإتقان العمل في جميع مجالات الحياة.
صور
الخير في الإسلام:
تأتي
الدعوة إلى الخير في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم دون أن تُعرِّف
ماهيته، وتضع له الحدود التي تكشف عن معالمه، ومع ذلك فإن الإسلام يُرشد إلى ضروب
منه، ليلفت الأنظار إليها، ويوجه العناية بها، فالاستزادة من العلم والحكمة خير،
لقول الله سبحانه: " يؤتي الحكمة من
يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا " .
قال
تعالى في الحديث القدسي : " إن من
عبادي من جعلته مفتاحا للخير ويسرت الخير على يديه ، وإن من عبادي من جعلته مفتاحا
للشر ويسرت الشر على يديه ، فطوبى لمن جعلته مفتاحا للخير مغلاقا للشر ، وويل لمن
جعلته مفتاحا للشر مغلاقا للخير " .
يقول
الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله: [إنّ الإنسانية في حاجة عامة إلى صوت يناديها إلى
الخير، وإلى الكفّ عن جميع الشّرور، وإنّها لحاجة أكثر إلحاحًا من سواها؛ لأنّ
الإنسان توَّاق إلى الخير بفطرته، وإنّما تحرمه منه معوقات مختلفة تكوّنها الظّروف
الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة أحيانًا، غير أنّه حينما تؤثّر هذه المعوقات
في سلوكه فتجعله يكذب أو يسرق أو يظلم أو يقتل فإنّه يشعر بالحِرمان.. وأنّ مَن
يرفع راية الخير قد يسدّ حاجة تشعر بها الإنسانية في أعماقها، ويحقّق لنفسه مكانًا
كريمًا في المجتمع العالميّ. وفي هذا المجال يمكن أن يكون مجالنا إذا حقّقنا في
سلوكنا معنى الآية الكريمة {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}]
· الخير
في الافعال:.
فالمسلم هو المرشّح للقيام بفعل الخير
إذا فهم دينه فهمًا صحيحًا، والتزم به التزامًا قويمًا، واتبعه صراطًا مستقيمًا.
ففعل الخير هو المنهاج الّذي رسمه القرآن الكريم للمؤمنين في كلّ الأزمان والأمكنة
والأحوال؛ إذ يقول الله جلّ في علاه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} فلا طريق للفلاح، سوى الإخلاص في عبادة الخالق، والسّعي في نفع
عبيده، فمَن وفّق لذلك، فله السّعادة في الدّنيا، والفلاح في الأخرى. فالآية
العظيمة عنوان للمنهاج الإلهيّ الّذي يلخص رسالة المسلم (فردًا وأمّة) في الحياة،
والتّكاليف الّتي ناطها الله به، والمكانة الّتي قدّرها له، متى أدّى رسالته وقام
بمستلزماتها: بدءًا بالأمر بالرّكوع والسّجود، كناية بهما عن الصّلاة؛ لفضلهما
وركنيتهما وظهورهما للعيان. والصّلاة عماد الدّين. وتثنية بالأمر العام بالعبادة،
وهي أشمل من الصّلاة. فالعبادة تشمل كلّ ما يحبّه الله من الأقوال والأفعال،
والحركات والسّكنات. وانتهاءً بالأمر بفعل الخير عامة، في التّعامل مع النّاس بعد
التّعامل مع الله بالصّلاة والعبادة.. يقول الإمام الرازي( ): [والوجه عِنْدِي فِي
هذا التّرتيب: أنّ الصّلاة نوع من أنواع العبادة، والعبادة نوع من أنواع فعل
الخير؛ لأنّ فعل الخير ينقسم إلى: خدمة المعبود، الّذي هو عبارة عن التّعظيم لأمر
الله، وإلى الإحسان الّذي هو عبارة عن الشّفقة على خَلْق الله، ويدخل فيه البرّ
والمعروف والصّدقة على الفقراء وحُسْنُ القول للنّاس؛ فكأنّه سبحانه قال:
كَلَّفْتُكُمْ بالصّلاة، بل كَلَّفْتُكُم بما هو أعَمّ منها وهو العبادة، بل
كلَفتكم بما هو أعمّ من العبادة وهو فعلُ الخيرات].
و يأتي فعل الخير في القرآن والسنة بصيغ
شتى، بعضها أمر به أو ترغيب فيه، وبعضها نهي عن ضده أو تحذير منه، و بعضها مدح
لفاعلي الخير، وبعضها ذم لمن لا يفعل فعلهم، و بعضها يثني على فعل الخير في ذاته،
وبعضها يثني على الدعوة إليه، أو التعاون عليه، أو التنافس فيه.
وهنا نجد الإسلام يدعو إلى
1.
فعل الخير:
قال تعالى: " وَافْعَلُوا الْخَيْرَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [الحج: 77] ، وقال : " وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ" [آل
عمران: 115] .
2.
المسارعة إلى الخير:
قال سبحانه: " وَسَارِعُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ
أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
" [آل عمران 133، 134] ، وفي وصف بعض
مؤمني أهل الكتاب قال عزوجل : "
يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ " [آل عمران:
114] ، وفي وصف أهل الخشية من ربهم قال عزوجل : " أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ "
[المؤمنون: 61 ] .
3.
التسابق على الخير:
قال تعالى: " فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا " [المائدة: 48] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال
بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من
أموال يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، قال : "ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من
سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله؟،
تسبحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين".
4.
الدعوة إلى الخير:
قال تعالى:" وَلْتَكُن مِّنْكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ "[آل عمران 104] ،وقال الرسول صلى الله
عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله ".
5.
الحض على الخير:
ومن أعظم دلائل الخير إطعام المسكين؛ حتى
لا يهلك جوعا، والناس إلى جواره يطعمون ويشبعون ، قال الله تعالى: " أَرَأَيْتَ الَّذِي
يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلاَ يَحُضُّ عَلَى
طَعَامِ الْمِسْكِينِ " [الماعون 1-3 ] ، وقال في شأن الكافر الذي استحق دخول
الجحيم : " إِنَّهُ كَانَ لاَ
يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ* وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ
" [الحاقة: 33، 34]، وينكر الإسلام
على المجتمع الجاهلي تركه لهذه الفريضة : " كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ
الْيَتِيمَ* وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ " [الفجر: 17، 18]
. وهنا أضاف الإسلام إلى فريضة إطعام المسكين فريضة الحض على طعام المسكين، ومثل
طعام المسكين كسوته، ونفقته، ورعاية سائر ضرورياته وحاجاته.
6.
نية الخير:
فمن لم يكن لديه قدرة على فعل الخير
فليجعل ذلك من نيته، فربما كانت نية المرء خيرا من عمله، كما في حديث أبي كبشة
الأنماري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما
الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه،
ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل؛ وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو
صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد
رزقه الله مالا، ولم يرزقه علما، يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه، ولا
يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل؛ وعبد لم يرزقه الله مالا
ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما
سواء"
7.
فعل الخير وإن صغر:
قال تعالى : " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ " [الزلزلة : 7] ، وقال
سبحانه : " ِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً
يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا " [النساء: 40]، وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبق درهم مائة ألف درهم"، قالوا: وكيف؟
قال: "كان لرجل درهمان، تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مائة
ألف درهم فتصدق بها".
8.
ذم المناعين للخير:
وكما مدح القرآن فاعلي الخير والداعين
إليه ذم أبلغ الذم الذين يمنعون الخير، فقال تعالى في التشنيع على بعض المشركين من
خصوم رسول الله وأعداء دعوته : " وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ*
هَمَّازٍ مَّشَّاءِ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ " [ القلم : 10-12] فجعل من أوصاف هذا المشرك
الذميمة جملة من الرذائل؛ مثل : كثرة الحلف، والمهانة ( حقارة النفس)، والهمز
(الطعن في الآخرين)، والمشي بين الناس بالنميمة، وكثرة المنع للخير، والاعتداء،
والإثم، وهكذا نجد صفة أو رذيلة (مناع للخير) ضمن ما ذمه القرآن الكريم. وكذا قال
تعالى على لسان قرين الإنسان يوم القيامة: "
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ* أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ
كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ* مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ " [ ق: 23-
25 ] .
9.
التعاون على عمل
الخير:
ومن أصول الخير في الإسلام وجوب التعاون
عليه، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه وأعوانه، وما لا يستطيعه الفرد قد تستطيعه
الجماعة. ومن ثم قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)
[المائدة : 2 ] وقال تعالى على لسان ذي القرنين وهو يرد على القوم الذين طلبوا أن
يدفعوا له خرجا ويتولى الدفاع عنهم : " مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ " [الكهف: 95]، وهذه هي صورة التعاون بين الحاكم
الصالح والشعب.
10.
إثابة كل من يسهم في عمل
الخير :
ومن أصول عمل الخير إثابة كل من يقوم
بجهد ما في عمل الخير، وتوصيله إلى أهله، فعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " العامل على الصدقة بالحق (لوجه الله
تعالى) كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجع"، فجعل العامل على الصدقة –
تحصيلا أو توزيعا – كالمجاهد في سبيل الله، وذلك إذا توفر فيه أمران: تحري الحق،
وابتغاء وجه الله بعمله، وإن كان يأخذ عليه أجرا. وعن عائشة رضي الله عنها، أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة،
كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها بما اكتسب، وللخادم مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من
أجر بعض شيئا " ، فأشرك مع الزوجة التي تنفق الزوجَ (صاحب المال)، والخادم
الذي يساعد.
· الخير
الأقوال:
القول يكون بابا عظيما من أبواب الخير
ويكون كذلك من أبواب الشر. وفي الحديث: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم
إلا حصائد ألسنتهم" [أحمد والترمذي] فبالقول السديد تشيع الفضائل والحقائق
بين الناس فيرغبون في التخلق بها، وبالقول السيئ تشيع الضلالات والتمويهات فيغتر
الناس بها ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم
مخاطبا عباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
[الأحزاب: 69-70]، ويقول سبحانه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ
خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ
وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]
فالمحصل للناس سعادتهم وسلامتهم ،
والمبعد لهم عن شقاوتهم وهلاكهم هو القول الحسن، ولهذا أمر الله تعالى نبيه صلى
الله عليه وسلم أن يرشد العباد إلى قول التي هي أحسن فقال تعالى: "وقل لعبادي
يقولوا التي هي أحسن".
فالكلمة الطيبة والقول الحسن، هداية الله
وفضله لعباده ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ ْ[الحج: 24]، وهي
رسالة المرسلين، وسمة المؤمنين، دعا إليها رب العالمين في كتابه الكريم فقال: ﴿
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ
بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِيناً ﴾ ْ[الإسراء:
53].
إن القرآن الكريم بيّن لنا أهمية الكلمة
الطيبة وعظيم أثرها واستمرار خيرها، وبين خطورة الكلمة الخبيثة وجسيم ضررها وضرورة
اجتثاثها، يقول جل جلاله: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً
طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء *
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ
خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ ْ[إبراهيم: 24
-25 -26].
يقول ابن القيم رحمه الله:
"شَبّه الله سبحانه الكلمة الطيبة -
كلمة التوحيد - بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح، والشجرة تثمر
الثمر النافع".
الكلمة الطيبة هي حياة القلب، وهي روح
العمل الصالح، فإذا رسخت في قلب المؤمن وانصبغ بها ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ ْ[البقرة: 138] وواطأ
قلبُه لسانَه، وانقادت جميعُ أركانه وجوارحه، فلا ريب أن هذه الكلمة تؤتي العمل
المتقبَّل ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ ﴾ ْ[فاطر: 10].
رسول الله صلى الله عليه وسلم - هو المثل
الأعلى لأمته - لم يكن فظاً غليظاً، بل كان سهلاً سمحاً، ليناً، دائم البشر، يواجه
الناس بابتسامة حلوة، ويبادرهم بالسلام والتحية والمصافحة وحسن المحادثة، علَّمنا
أدب التخاطب وعفة اللسان فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا
اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه ابن الحاكم في المستدرك على الصحيحين.
و الكلمة الطيبة صدقة" كما قال
نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، وأنها تحجب المؤمن من النار؛
ففي حديث عمر بن حاتم رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث
المتفق عليه: "اتّقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة"
رواه أحمد في مسنده.
و الكلمة الطيبة شعبة من شعب الإيمان؛ عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" متفق عليه.
وبالكلمة الطيبة تتحقق المغفرة. لقوله
صلى الله عليه وسلم: "إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام"
رواه الطبراني، بل إن الكلمة الطيبة سبب في دخول الجنة؛ فعن أبي مالك الأشعري رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الجنة غرفة يرى ظاهرها من
باطنها وباطنها من ظاهرها لمن ألان الكلام أطعم الطعام بات لله قائماً والناس
نيام" رواه أحمد في مسنده.
والكلمة الطيبة معيار سعادة الإنسان أو
شقائه، فبكلمة ينال العبد رضوان الله فيرفعه بها إلى أعلى الدرجات، وبكلمة يسخط
الله عليه فيهوي بها إلى أسفل الدركات، ففي الصحيحين عن حديث أبي هريرة رضي الله
عنه أنه قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً
يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً
يهوي بها في جهنم".
· الخير
في الاعتقاد بالقضاء والقدر:
إن ما يقدره الله ويقضيه للإنسان دائما
الخير حتى وإن لم يكن ظاهره كذلك، فيقول الله سبحانه وتعالى: وَعَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.
وأمر المؤمن دائما بين الصبر والشكر،
فعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ
لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا
لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. رواه مسلم.
وذكر ابن القيم رحمه الله أن من الأمور
المعينة للمؤمن على الرضا بقضاء الله والتلذذ به: أن يعلم أن منع الله سبحانه
وتعالى لعبده المؤمن المحب عطاء، وابتلاءه إياه عافية، قال سفيان الثورى: منعه
عطاء وذلك أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما نظر في خير عبده المؤمن فمنعه
اختيارا وحسن نظر. وهذا كما قال فإنه سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان
خيرا له، ساءه ذلك القضاء أو سره، فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء، وإن كان في
صورة المنع، ونعمة وإن كانت في صورة محنة. وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية،
ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل،
وكان ملائما لطبعه ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة والبلاء رحمة،
وهذه كان حال السلف فالعاقل الراضي: هو الذي يعد نعم الله عليه فيما يكرهه أكثر
وأعظم من نعمه عليه فيما يحبه، كما قال بعض العارفين: يا ابن آدم نعمة الله عليك
فيما تكره أعظم من نعمته عليك فيما تحب، وقد قال تعالى : وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. وقد قال بعض العارفين: ارض عن الله في جميع ما
يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا
ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك، فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين فتسقط من عينه.
انتهى من مدارج السالكين.
و المؤمن إذا بذل الأسباب المشروعة
وامتثل أمر الله وسلم لقضائه، وهو على يقين وثقة بأن الله سيخلفه خيرا؛ لا شك بأن
عاقبته قد تكون أفضل مما كان يتوقعه بكثير، ففي الحديث الذي ترويه أم سلمة رضي
الله عنها، لما توفي زوجها أبو سلمة رضي الله عنه، وكانت تقدره وتحبه حبا عظيما
حتى أنها لشدة محبتها له لم تكن ترى أحدا يصلح لها زوجا خيرا من أبي سلمة، مع كثرة
الصحابة الفضلاء الأخيار وقتها، ولم يكن يخطر في بالها الزوج الذي ادخره الله لها،
قالت رضي الله عنها: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا
مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا
مِنْهَا. قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ مَنْ خَيْرٌ مِنْ
أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ
عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ
فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم.
و العبد لا يدري على وجه اليقين عواقب
الأمور ؛ فقد يظن العبد أن ما هو مقدم عليه فيه الخير وتأتي النتائج على خلاف ما
توقع كما قد يحدث العكس.من أجل هذا كان حريا بالعبد عند إقدامه على أمر من الأمور
المباحة أن يتفكر وأن يستخير الله تعالى . روى جابر رضي الله عنه قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من
القرآن يقول: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل:
اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا
أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – يسمي
حاجته – خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي
ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة
أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله؛ فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان،
ثم ارضني به".
قال بعض أهل العلم: "من أعطى أربعًا
لم يُمنع أربعًا: من أُعطي الشُّكر لم يُمنع المزيد، ومن أُعطي التوبة لم يُمنع
القبول، ومن أُعطي الاستخارة لم يُمنع الخيرة، ومن أُعطي المشورة لم يُمنع
الصواب".
· الخير
في الأخلاق والسلوك:
الأخلاق الإسلامية هي السلوك من أجل
الحياة الخيرة وطريقة للتعامل الإنساني، حيث يكون السلوك بمقتضاها له مضمون إنساني
ويستهدف غايات خيرة.
إن الإسلام شمل في أحواله أخلاق المسلم
كلها صغيرها وكبيرها دقيقها وجليلها فردا وأسرة ومجتمعا ، ومن شموليةِ هذا الدين
أنه دين الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة .وأنه دين المكارم السامية والمحامد
العالية ، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله " الدين كله خُلق ، فمن زاد عليك
في الخُلقِ زاد عليك في الدين ".
ولقد كان التحلي بحسن الخلق من أخلاق
الأنبياء والرسل، وفي مقدمتهم نبينا محمد الذي وصفه ربه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم(4)..
ولما سئلت أم المؤمنين عائشة ــ رضي الله
عنها ــ عن خلقه -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان خلقه القرآن" أي
متخلقاً بأخلاق القرآن فعلاً لما يجب ويستحب فعله، وتاركاً لما يحرم ويكره فعله،
فكان عاملاً بالأوامر مجتنباً للزواجر..
وهذا أنس أحد الذين تشرفوا بخدمته صلى
الله عليه وسلم- يقص علينا بعضاً من أخلاقه فيقول كما في صحيح مسلم: "خدمت
النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين والله ما قال لي أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت
كذا، وهلا فعلت كذا"، زاد الترمذي: "وكان رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- من أحسن الناس خلقاً، وما مسست خزاً قط ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شممت مسكاً قط ولا عطراً كان أطيب من عَرَق
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
كما أن التحلي بحسن الخلق من صفات عباد
الله المتقين، كما أخبر الله بذلك، فقال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فكل هذه
الأعمال المذكورة في الآية من الأخلاق الحسنة.
و إن التحلي بالأخلاق الحسنة يترتب عليه
الخير العميم في الدنيا والآخرة كما بينته الأدلة الشرعية
فقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: "تقوى الله، وحسن الخلق".
قال ابن القيم-رحمه الله-: "جمع
النبي -صلى الله عليه وسلم- بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين
العبد وبين ربه, وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه. فتقوى الله توجب له محبة
الله, وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته".
وقد ضمن النبي صلى الله عليه وسلم لمن
حسن خلقه سكنى أعالي الجنان؛ فقال: "..وببيت في أعلى الجنة لمن حسن
خلقه".
كما أن التحلي بحسن الخلق هو سبيل إلى
تحقيق التقوى، ولذلك فقد أوصى النبي –صلى الله عليه وسلم- بذلك؛ كما في وصيته
لمعاذ-رضي الله عنه-، : "اتق الله حيثما كنت، وأتبعِ السيئة الحسنةَ تمحُها،
وخالق الناس بخلق حسن".
قال ابن رجب -رحمه الله-: "هذه من
خصال التقوى، ولا تتم التقوى إلا به -أي مخالقة الناس بالخلق الحسن-، وإنما أفردها
بالذكر للحاجة إلى بيانه؛ فإن كثيراً من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله
دون حقوق عباده، فنص له على الأمر بإحسان العشرة للناس، فإنه كان قد بعثه إلى
اليمن معلماً لهم ومفهماً وقاضياً، ومن كان كذلك فإنه يحتاج إلى مخالقة الناس بخلق
حسن ما لا يحتاج إليه غيره ممن لا حاجة للناس به ولا يخالطهم، وكثيراً ما يغلب على
من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمال حقوق
العباد بالكلية أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيزٌ
جداً لا يقوى عليه إلا الكُمَّلُ من الأنبياء والصديقين".
وصاحب الخلق الحسن مع الإيمان هو من خير
الناس فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قلنا : يا نبي الله من خير الناس ؟
قال : "ذو القلب المخموم ، واللسان الصادق" . قال : يا نبي الله : قد
عرفنا اللسان الصادق فما القلب المخموم ؟ قال : "التقي النقي الذي لا إثم فيه
، ولا بغي ، ولا حسد" . قال : قلنا يا رسول الله ، فمن على أثره ؟ قال :
"الذي يشنأ الدنيا ، ويحب الآخرة". قلنا ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن على أثره ؟ قال : "مؤمن في خلق حسن"
. قلنا : أما هذه ففينا.
كما أن التحلي بالخلق الحسن مما يقرب إلى
النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة؛ فعن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: "إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم
أخلاقاً".
ولأن حسن الخلق يجمع خلال الخير فقد كان
النبي صلى الله عليه وسلم يكثر في دعائه من سؤال الله الهداية لأحسن الأخلاق، كما
جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن علي بن أبي طالب عن رسول الله أنه كان إذا قام
من الليل، وفيه: "... واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف
عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".
ويكون حسن الخلق ببذل السلام، وكف الأذى،
وطلاقة الوجه، وسعة الصدر، وكظم الغيظ، والعفو عمن ظلمك، ووصل من قطعك، وغير ذلك
من الخصال الحميدة،
المصادر
والمراجع:
القران الكريم.
§ أحكام القرآن لابن العربي، محمد
بن عبد الله الأندلسي (ابن العربي)
،دار الكتب العلمية
§ الأخلاق الإسلامية بين النظرية و التطبيق،
د/ إيمان عبدالمؤمن سعد الدين، مكتبة الرشد للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى
1424-2002م.
§ بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب
العزيز، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي القاهرة ، 1385 هـ -1965م.
§ تفسير القران العظيم، إسماعيل
بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، دار طيبه ، 1422هـ
§ رياض الصالحين، الإمام أبي زكريا يحيى بن
شرف النووي الدمشقي، دار الريان للتراث.
§ طريق الهجرتين وباب السعادتين، أبي
عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن
القيم الجوزية، دار علم الفوائد للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى 1429هـ.
§ الفوائد، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد
شمس الدين ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الثانية، 1393 هـ -
1973 م.
§ المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف،
الطبعة الثالثة.
§ مصطلحات شرعية، رقم الفتوى : 47924، الخير
والشر والحسن والقبيح في الشريعة، 09 ربيع الأول 1425، http://islamport.com/d/2/ftw/1/15/1321.html
[3] سورة المزمل: الآية 20.
[4] مصطلحات شرعية، رقم الفتوى : 47924، الخير والشر والحسن والقبيح في الشريعة، 09 ربيع الأول 1425، http://islamport.com/d/2/ftw/1/15/1321.html و. بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروز أبادي /ج2 – ص572.
[7] الاخلاق الإسلامية بين
النظرية و التطبيق، إيمان عبدالمؤمن ، ص 29.
[9] المرجع السابق: ص 412.
[10]رواه مسلم في صحيحة، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم
موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، رقم (2658).
[14] سورة البقرة: الآية 216.
[15] سورة الأنبياء : الآية 35.
[16] سورة البقرة: الآية 180.
[17] سورة الدخان: الآية 34.
[19] سورة الأنبياء: الآية 73.
[20] سورة هود: الآية 48
[21] سورة البينة: 7.
[24] سورة النور: الآية 33.
[25] سورة الحجرات: الآية 5.
جزاكم الله خير
ردحذففقط عندي ملاحظة على التسلسل 20 في المصادر سورة هود ليست الاية 48 بل الاية 84
وشكرا لكم